فهذا ونحوه من خصائص هذه اللغة الشريفة اللطيفة. وإنما يسمع الناس هذه الألفاظ فتكون الفائدة عندهم منها إنما هي علم1 معنياتها. فأما كيف, ومن أين, فهو ما نحن عليه. وأحج به أن يكون عند كثير منهم نيفًا2 لا يحتاج إليه, وفضلًا غيره أولى منه.
ومن ذلك أيضًا قالوا: ناقة كما قالوا3: جمل. وقالوا "ما بها"4 دبيج كما قالوا: تناسل عليه الوشاء5. والتقاء معانيهما6 أن الناقة كانت عندهم مما يتحسنون به ويتباهون بملكه فهي فعلة من من قولهم: تنوقت في ىالشيء إذا أحكمته وتخيرته, قال ذو الرمة:
. . . . . . . . . . . . تنوقت ... به حضرميات الأكف الحوائك7
وعلى هذا قالوا: "جمل" لأن هذا "فَعَل" من الجمال؛ كما أن تلك "فَعَلة" من تنوقت -وأجود اللغتين تأنّقت, قال الله سبحانه: {لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} 8. وقولهم: "ما بها دبيج" هو "فِعْيل" من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس بهم العمارة وحسن الآثار, وعلى أيديهم يتم الأنس وطيب الديار. ولذلك قيل لهم: ناس لأنه في الأصل أناس, فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. فهو فعال من الأنس قال 9:
أناس لا يملُّون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزبُون