فقالوا: المقصور من حاله كذا؛ "ومن صفته كذا, والممدود من أمره كذا, ومن سببه كذا, وقالوا في المذكر والمؤنث: علامات التأنيث كذا, وأوصافها كذا"1، ثم لما أنجزوا ذلك قالوا: ومن المؤنث الذي روي2 رواية كذا وكذا. فهذا من الوضوح على ما لا خفاء به.
فلما رأى القوم كثيرًا من اللغة مقيسًا منقادًا, وسموه بمواسمه, وغنوا بذلك عن الإطالة والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز. ثم لما تجاوزوا ذلك إلى ما لا بُدَّ من إيراده, ونصَّ ألفاظه التزموا "وألزموا"3 كلفته؛ إذ لم يجدوا منها بدًّا ولا عنها منصرفًا. ومعاذ الله أن ندَّعي أن جميع اللغة تستدرك بالأدلة قياسًا4، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به ونبهنا عليه, كما فعله من قبلنا ممن نحن له متبعون, وعلى مثله5 وأوضاعه حاذون6، فأما هجنة الطبع وكدورة الفكر وخمود النفس7، وخيس8 الخاطر وضيق المضطرب فنحمد الله على أن حماناه, ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه, ويستعملنا به فيما يدني منه, ويوجب الزلفة لديه بمنِّه.
فهذا مذهب العلماء بلغة العرب وما ينبغي أن يعمل عليه ويؤخذ به, فأمضه على ما أريناه وحددناه غير هائب له ولا مرتاب به. وهو كثير وفيما جئنا به منه كافٍ.