الخصائص (صفحة 407)

فإن قلت: فما يؤمنك أن تكون كما وجدت في لغته فسادًا بعد أن لم يكن فيها فيما علمت1، أن يكون فيها فساد آخر فيما لم تعلمه. فإن أخذت به كنت آخذًا بفاسد2 عَرُوض3 ما حدث فيها من الفساد فيما علمت, قيل: هذا يوحشك من كل لغة صحيحة؛ لأنه يتوجه4 منه أن تتوقف عن الأخذ بها؛ مخافة أن يكون فيها زيغ حادث لا تعلمه الآن، ويجوز أن تعلمه بعد زمان، كما علمت من حال غيرها فسادًا حادثًا لم يكن فيما قبل فيها. وإن اتجه هذا انخرط عليك منه ألّا تطيب نفسًا بلغة وإن كانت فصيحة مستحكمة. فإذا كان أخذك5 بهذا مؤدّيًا إلى هذا رفضته ولم تأخذ به، وعملت على تلقي كل لغة قوية معربة بقبولها واعتقاد صحتها. وألّا توجه ظِنَّة إليها, ولا تسوء رأيًا في المشهود تظاهره من اعتدال أمرها. ذلك كما يُحْكَى6 من أن أبا عمرو استضعف فصاحة أبي خَيْرة لما سأله فقال: كيف تقول: استأصل الله عِرْقَاتهم, ففتح أبو خيرة التاء, فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة؛ لان جلدك! فليس لأحد أن يقول: كما فسدت لغته في هذا ينبغي أن أتوقف عنها في غيره "لما حذرناه"7 قبل ووصفنا.

فهذا هو القياس, وعليه يجب أن يكون العمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015