المرأة أبين, وقد قيل "ليس المخبر كالمعاين "1 ولو لم ينقل إلينا هذا الشاعر حال هذه المرأة بقوله: وصكت وجهها لم نعرف به حقيقة تعاظم الأمر لها. وليست كل حكاية تروى لنا ولا كل خبر ينقل إلينا يشفع به شرح الأحوال التابعة له, المقترنة -كانت- به. نعم ولو نقلت إلينا لم نفد بسماعها ما كنا نفيده لو حضرناها. وكذلك قول الآخر:
قلنا لها قفي لنا قالت قاف2
لو نقل إلينا هذا الشاعر شيئًا آخر من جملة الحال فقال مع قوله "قالت قاف ": "وأمسكت بزمام بعيرها" أو " وعاجته علينا" لكان أبين لما كانوا عليه وأدل على أنها أرادت: وقفت أو توقفت دون أن يظن أنها أرادت: قفي لنا! أي يقول لي: قفي لنا! متعجبة منه. وهو إذا شاهدها وقد وقفت علم3 أن قولها "قاف" إجابة له لا رد لقوله وتعجب منه في قوله "قفي لنا ".
وبعد فالحمالون والحماميون والساسة4، والوقادون ومن يليهم ويعتد منهم يستوضحون من مشاهدة الأحوال ما لا يحصله أبو عمرو من شعر الفرزدق إذا أخبر به عنه ولم يحضره ينشده. أولا تعلم أن الإنسان إذا عناه أمر فأراد أن يخاطب به صاحبه وينعم تصويره له في نفسه استعطفه ليقبل عليه فيقول له: