ورجبوه؛ لشرفه عندهم وتقدمه في أنفسهم. فرأوا الإخلال باللفظ في جنب الإخلال بالمعنى يسيرًا سهلا وحجمًا محتقرًا. وهذا الشمس إنارة مع أدنى تأمل.
ومن ذلك أيضًا أنهم لا يلحقون الكلمة من أولها إلا أن يكون مع الحرف الأول غيره ألا ترى أن "مَفعلًا " لما كانت زيادته في أوله لم يكن ملحقًا بها1، نحو: مَضرب ومَقتل. وكذلك "مِفعل " نحو: مِقطع ومِنسج وإن كان مَفعل بوزن جعفر ومِفعل بوزن هِجرع 2. يدل على أنهما ليسا ملحقين بهما ما نشاهده من ادغامهما3 نحو مسد ومرد ومتل4 ومشل 5. ولو كانا ملحقين لكانا حري أن يخرجا على أصولهما كما خرج شملل وصعرر على أصله. فأما محبب فعلم خرج شاذًا كتهلل ومكوزة ونحو ذلك مما احتمل لعلميته.
وسبب امتناع مَفعل ومِفعل أن يكونا ملحقين -وإن كانا على وزن جعفر, وهجرع- أن الحرف الزائد في أولهما6، وهو لمعنى؛ وذلك أن مَفعلا يأتي للمصادر نحو ذهب مذهبًا ودخل مدخلا وخرج مخرجًا. ومِفعلا يأتي للآلات7، والمستعملات؛ نحو مِطرق ومِروح8 ومِخصف9 ومئزر. فلما كانت الميمان ذواتي معنى خشوا إن هم ألحقوا بهما أن يتوهم أن الغرض فيهما إنما هو الإلحاق حسب فيستهلك المعنى المقصود بهما فتحاموا الإلحاق بهما ليكون ذلك موفرًا على المعنى لهما.
ويدلك على تمكن المعنى في أنفسهم وتقدمه للفظ عندهم تقديمهم لحرف المعنى في أول الكلمة, وذلك لقوة العناية به فقدموا دليله ليكون ذلك أمارة لتمكنه عندهم.