والأخبار في التلطف بعذوبة الألفاظ إلى قضاء الحوائج أكثر من أن يؤتى عليها أو يتجشم للحال "نعت لها"1، ألا ترى إلى قول بعضهم وقد سأل آخر حاجة فقال المسئول: إن علي يمينًا ألا أفعل هذا. فقال له السائل: إن كنت -أيدك الله- لم تحلف يمينًا قط على أمر فرأيت غيره خيرًا منه فكفرت عنها له وأمضيته فما أحب أن أحنثك وإن كان ذلك قد كان منك فلا تجعلني أدون الرجلين عندك. فقال له: سحرتني, وقضى حاجته.
وندع هذا ونحوه لوضوحه, ولنأخذ لما كنا عليه فتقول:
مما يدل على اهتمام العرب بمعانيها وتقدمها2 في أنفسها على3 ألفاظها أنهم قالوا في شمللت4, وصعررت5، وبيطرت، وحوقلت6، ودهورت7، وسلقيت8، وجعبيت 9: إنها ملحقة بباب دحرجت. وذلك أنهم وجدوها على سمتها10: عدد حروف وموافقة بالحركة والسكون, فكانت هذه صناعة لفظية, ليس فيها أكثر من إلحاقها ببنائها, واتساع العرب بها في محاوراتها, وطرق كلامها.
والدليل على أن فعللت وفعيلت وفوعلت وفعليت ملحقة بباب دحرجت مجيء مصادرها على مثل مصادر باب دحرجت. وذلك قولهم: الشمللة والبيطرة والحوقلة والدهورة والسلقاة والجعباة. فهذا "ونحوه"11 كالدحرجة والهملجة12،