على ما مضى. وقد يجوز أن يكون "جدارا" حالا أي مثل الجدار، وأن يكون أيضًا منصوبا على فعل آخر، أى صاروا جدارا، أى مثل جدار، فنصبه1 في هذا الموضع2 على أنه خبر صاروا. والأول أظهر وأصنع.
ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله سبحانه: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} 3 مع قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} 4. والتقاؤهما أن أبا علي -رحمه الله- كان يقول: إن عين "استكانوا" من الياء، وكان يأخذه من لفظ5 الكين ومعناه، وهو لحم باطن الفرج، أى فما ذلوا وما خضعوا. وذلك لذل هذا الموضع ومهانته. وكذلك قوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} إنما هو من لفظ الحياء6 ومعناه "أى الفرج"7، أى يطئوهن8 وهذا واضح.
ومن ذلك أن يقال: من أين "يجمع بين"9 قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} 10، وبين11 قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} 12. والتقاءهما من قبل أن الفاء في قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} إنما دخلت لما في الصفة التي هي قوله: {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} "من معنى الشرط"13، أى إن فررتم منه لاقاكم -فجعل- عز اسمه- هربهم منه سببا للقيه إياهم؛ على وجه المبالغة؛ حتى كأن هذا مسبب عن هذا؛ كما قال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه14