الخصائص (صفحة 1238)

باب في الجمع بين الأضعف والأقوى في عقد واحد:

وذلك جائز عنهم1، وظاهر وجه الحكمة في لغتهم2؛ قال الفرزدق:

كلاهما حين جد الجرى بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى3

"فقوله: كلاهما قد أقلعا ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى؛ وقوله: وكلا أنفيهما رابى"4 قوي لأنه حمل على اللفظ. وأنشد أبو عمرو الشيباني:

كلا جانبيه يعسلان كلاهما ... كما اهتز خوط النبعة المتتابع5

فإخباره بـ"يعسلان" عن "كلا جانبيه"6 ضعيف على ما ذكرنا. وأما "كلاهما" فإن جعلته توكيدا لـ"كلا" ففيه ضعيف؛ لأنه حمل على المعنى دون اللفظ. ولو كان على اللفظ لوجب أن يقول: كلا جانبيه يعسل كله، أو قال: يعسلان كله، فحمل "يعسلان" على المعنى، و"كله" على اللفظ، وإن كان في هذا ضعف، لمراجعة اللفظ بعد الحمل على المعنى. وإن جعلت "كلاهما" توكيدا للضمير في "يعسلان" فإنه قوى، لأنهما في اللفظ اثنان كما أنهما في المعنى كذلك.

وقال الله -سبحانه: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} 7 فحمل أول الكلام على اللفظ، وآخره على المعنى، والحمل على اللفظ أقوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015