ثم سألت عنهما، فقيل لي: الطرماح والكميت. فرأيتهما ظريفين، فأنست بهما. ثم كانا يأتياني، فيأخذان الشيء بعد الشيء من شعري، فيودعانه أشعارهما.
وقد كان قدماء أصحابنا يتعقبون رؤبة وأباه، ويقولون: تهضما اللغة، وولداها وتصرفا فيها، غير تصرف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما في الرجز، وهو مما يضطر إلى كثير من التفريع والتوليد: لقصره1، ومسابقة قوافيه.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعي قال: قال لي2 الخليل: جاءنا رجل فأنشدنا:
ترافع العز بنا فارفنعما3
فقلنا4: هذا لا يكون. فقال: كيف جاز للعجاج أن يقول:
تقاعس العز بنا فاقعنسسا
فهذا ونحوه يدلك على منافرة القوم لهما، وتعقبهم5 إياهما، وقد ذكرنا هذه الحكاية فيما مضى6 من هذا الكتاب، وقلنا في معناها: ما7 وجب8 هناك.
وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد9 بن سلمة وأنا حدث، فقال لي: كيف تنشد قول الحطيئة: "أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ماذا. فقلت"10:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البني ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا