هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا وتمعددوا: أي اصلبوا وتناهوا في الخشنة1. وكذلك قولهم: أعشب المكان، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا: اعشوشب. ومثله حلا واحلولي، وخلق2 واخلولق، وغدن3 واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل، نحو قدر واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم4: قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض القياس، قال الله سبحانه: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} 5؛ فمقتدر هنا أوفق من قادر؛ من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدة الأخذ. وعليه -عندي- قول الله -عز وجل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 6 وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله -عز اسمه: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} 7؛ أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها8، صغر9 الواحد إلى العشرة ولما كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها10، لم تحتقر11 إلى الجزاء عنها12، فعلم بذلك قوة فعل السيئة على فعل الحسنة؛ ولذلك قال -تبارك وتعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 13 فإذا كان فعل السيئة14 ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية، عظم قدرها، وفخم لفظ العبارة عنها، فقيل: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد في لفظ فعل السيئة، وانتقص من لفظ فعل الحسنة؛ لما ذكرنا. ومثله سواءً بيت الكتاب:
أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار15