فإن شيطان الجن إذا غُلب وسوس، وشيطان الإنس إذا غلب كذب، والوسواس يعرض لكل من توجَّه إلى الله تعالى بِذكرٍ أو غيره، لا بُدّ له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر؛ فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (?)، وكلما أراد العبد توجّهاً إلى الله تعالى بقلبه، جاء من الوسواس أمور أخرى؛ فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه؛ ولهذا قيل لبعض السلف: ((إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب)) (?)، وتفاصيل ما يعرض للسالكين طويل موضعه.
وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من قوله: ((إنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي، وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ)) (?)، فذاك لأن عمر كان مأموراً بالجهاد، وهو أمير المؤمنين، فهو أمير الجهاد، فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلِّي الذي يصلِّي صلاة الخوف حال معاينة العدو، إما
حال القتال، وإما غير حال القتال، فهو مأمور بالصلاة ومأمور بالجهاد، فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإمكان، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ