وليعلم الملك ان أول وهاء «15» ملكهم وأكبر آفات دولهم انما هو ارتفاع السفلة الذي هو سبب انحطاط الاشراف والعلية، فان من الامثال السائرة والحكم الغابرة ان انحطاط مائة من العلية أحمد من ارتفاع واحد من السفلة والسبب في ذلك ان اللئيم الناقص المعرفة والوضيع المنبت «16» والابوة ارتفعت به حال أو علت به رتبة كان احتباؤه لمن يقرب من حاله في الخلال التي عددتها أشد واشتماله «17» على من مايله فيها أو كد. وكلما اجتمعت اليه من مثل هذه الطبقة عصابة فاضت بهم الجهالات وانتشرت وأثمرت بذلك الحساسات او نبسطت وكلما زاد واحد من هذه الفرقة ضرب اليه من جنسه جماعة لم يجتبوا أيضا، الا أمثالهم في السقوط والضعة وقلة المعرفة فحازوا المراتب دون من يستوجبها من أهل الفضل والنفاسة وذوي الآداب والدراية ومع الجهل سقوط المراتب كما انه مع العقل ارتفاع الدرج والمنازل وفي الانسان اذا تؤمل أمره مع سائر أنواع الحيوان بيان ومعتبر لانه اذا وجد الانسان في صغر جدعته وتعرى جلده ونقص قوته وايده وعدمه السلاح المعد للبطش في جسده يغلب البعير والفيل حتى يستخدمهما والاسد والنمر حتى يذللهما وينتفع بهما. وكذلك سائر الحيوان يصرف أنواعها على ما يختار منها لم يكن للغلبة وجه، الا ما أعطيه الانسان من التمييز والحكمة وانه مخول منهما ما ليس لغيره من الحيوان مثله وانه كلما غلب الانسان الحيوانات غير المميزة بالتمييز فكذلك يغلب من كان من الناس أقوى تمييزا لذوي ضعف التمييز ويستولى منهم من كان أنفذ في المهم والتدبير على من كان أضعف في ذلك من الجميع فقد وضح الدليل وصح البرهان على انه مع العقل والحكمة الغلبة ومع الجهل والسقوط والانقياد والذلة، وصدق المثل القديم في ارتفاع واحد من السفلة