التي تسلك في افنائه وتمحيقه، هو أن يقصد الملك لعلم ما كان يجهله، وتفهم ما كان غير فهم به فانه عند وصوله الى ذلك، يزول عنه ما كان متشعبا في نفسه من فنون الهوى، ويضمحل ذلك أو جله ويتلاشى، والهوى فمما لا ينبغي للملوك أن يحذروا شيئا، أشد من حذرهم منه، والا يكونوا مجاهدين لعدو من أعدائهم قبل مجاهدتهم له، فانه اذا عجز الملك عن مجاهدة هواه الخاص به كان أولى بالعجز عن غير ذلك مما [هو] «2» خارج عنه فقد كان يقال من كان عقله لا يقوم بمصلحة خاصة لم يكن أهلا لان يستصلح به أمر عامته. ثم العفة من رأى أن السخاء من الكرم [بأن يقال ان الكرم] «3» انما يستحق بالسخاء، وذكر كما قدمنا انهما جنسان لا يعم أحدهما الاخر ولا يدخل تحته. وذكر اختلاف أهل المشرق والشمال في المواهب، وانها أنفس ما جرى في باب الكيفية، أو ما كان داخلا في معنى الكمية وفضل مواهب الكيفية على مواهب الكمية، لدخول الحكمة وسائر الصناعات في باب الكيفية. وقال: بعد ذلك لما صحح ان السخاء والكرم ممدوحان انهما بالملوك أزين وباخلاقهم أبهى وأحسن. وحكي قول شاعرهم المعروف بهوميروس حيث قال [أنظر: ارسطو كتاب السياسة وتدبير الرياسة، ص 13 (مخطوط) ] :
«لا ينال المراتب بخيل ولا يرتقى الدرجات العليا الا كريم» .
وقد قال قائلون: ان من السخاء الامساك عما في أيدي الناس، مما لا حق يوجب أخذه منهم، وليس هذا من السخاء، ولا من الكرم، بل هو في طريق المروءة اذهب وأمضاها الزم. ومما ينبغي أن يكون الملك مجبولا عليه ومكتسبا لتقويته في نفسة، عظم الهمة، اذا كان ليس من شأن الملك الا أن تكون كل أفعاله الانسانية مبالغا فيها ينحو نحو الغاية القصوى على حسب قدره من المنزلة، وعلوها ومحلة من ارتفاع الدرجة