قالوا: فهذا باب يساق.
إن الصفرة متى اشتدت صارت حمرة، ومتى اشتدت الحمرة صارت سوادا، وكذلك الخضرة متى اشتدت صارت سوادا.
والسواد يضاد البياض مضادة تامة، وصارت الألوان الأخر فيما بينها تتضاد عادة، وصارت الطّعوم والأراييح والملامس تخالفها ولا تضادها.
وقد جعل بعض من يقول بالأجسام [1] هذا المذهب دليلا على أن الألوان كلّها إنما هي من السواد والبياض، وإنما تختلفان على قدر المزاج. وزعموا أن اللون في الحقيقة إنما هو البياض والسواد، وحكموا في المقالة الأولى بالقوة للسواد على البياض؛ إذ كانت الألوان كلها كلما اشتدت قربت من السواد، وبعدت من البياض، فلا تزال كذلك إلى أن تصير سوادا.
وقد ذكرنا قبل هذا قول من جعل الضياء والبياض جنسين مختلفين، وزعم أن كلّ ضياء بياض وليس كلّ بياض ضياء.
وما كان أحوجنا وأحوج جميع المرضى أن يكون جميع الأطباء متكلمين، وإلى أن يكون المتكلمون علماء؛ فإن الطبّ لو كان من نتائج حذاق المتكلمين ومن تلقيحهم له، لم نجد في الأصول التي يبنون عليها من الخلل ما نجد.
وزعموا أن النار حمراء، وذهبوا إلى ما ترى العين، والنار في الحقيقة بيضاء.
ثم قاسوا على خلاف الحقيقة المرّة الحمراء [2] ، وشبّهوها بالنار. ثم زعموا أن المرة الحمراء مرّة. وأخلق بالدخان أن يكون مرّا. وليس الدخان من النار في شيء.