(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم) نبدأ في هذا الجزء، بعون الله وتأييده، بالقول في جملة الذّرّة والنملة، كما شرطنا به آخر المصحف الثّالث. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
قد علمنا أنّ ليس عند الذّرّة غناء الفرس في الحرب، والدّفع عن الحريم. ولكنّا إذا أردنا موضع العجب والتّعجيب، والتّنبيه على التدبير، ذكرنا الخسيس القليل، والسّخيف المهين، فأريناك ما عنده من الحسّ اللطيف، والتّقدير الغريب، ومن النظر في العواقب، ومشاكلة الإنسان ومزاحمته.
والإنسان هو الذي سخّر له هذا الفلك بما يشتمل عليه.
وقد [1] علمنا أنّ الذّرّة تدّخر للشتاء في الصّيف، وتتقدّم في حال المهلة، ولا تضيع أوقات إمكان الحزم. ثم يبلغ من تفقّدها وحسن خبرها [2] ، والنظر في عواقب أمرها، أنّها تخاف على الحبوب التي ادّخرتها للشّتاء في الصيف، أن تعفن وتسوّس، [فتنقلها من] [3] بطن الأرض، فتخرجها إلى ظهرها، لتيبّسها وتعيد إليها جفوفها، وليضربها النّسيم، وينفى عنها اللّخن والفساد.
ثمّ ربّما كان- بل يكون أكثر- مكانها نديّا [4] . وخافت أن تنبت نقرت موضع القطمير من وسط الحبّة، وتعلم أنّها من ذلك الموضع تبتدئ وتنبت وتنقلب [5] ، فهي تفلق الحبّ كلّه أنصافا. فأمّا إذا كان الحب من حبّ الكزبرة، فلقته أرباعا، لأنّ