وحكوا أنّ عندهم طائرين، أحدهما وافي الجناحين وهو لم يطر قطّ، والآخر وافي الجناحين، ولكنه من لدن ينهض للطّيران فلا يزال يطير ويقتات من الفراش وأشباه الفراش، وأنّه لا يسقط إلّا ميّتا. إلّا أنهم ذكروا أنه قصير العمر.
ولست أدفع خبر صاحب المنطق عن صاحب الدارصيني، وإن كنت لا أعرف الوجه في أنّ طائرا ينهض من وكره في الجبال، أو بفارس أو باليمن، فيؤمّ ويعمد نحو بلاد الدارصيني، وهو لم يجاوز موضعه ولا قرب منه. وليس يخلو هذا الطائر من أن يكون من الأوابد أو من القواطع. وإن كان من القواطع فكيف يقطع الصّحصحان [1] الأملس وبطون الأودية، وأهضام الجبال [2] بالتّدويم في الأجواء، وبالمضيّ على السّمت، لطلب ما لم يره ولم يشمّه ولم يذقه. وأخرى فإنّه لا يجلب منه بمنقاره ورجليه، ما يصير فراشا له ومهادا، إلا بالاختلاف الطويل. وبعد فإنّه ليس بالوطيء الوثير، ولا هو له بطعام.
فأنا وإن كنت لا أعرف العلّة بعينها فلست أنكر الأمور من هذه الجهة. فاذكر هذا.
وقال أبو الشّيص في الهدهد [3] : [من البسيط]
لا تأمننّ على سرّي وسرّكم ... غيري وغيرك أو طيّ القراطيس
أو طائر سأحلّيه وأنعته ... ما زال صاحب تنقير وتدسيس
سود براثنه، ميل ذوائبه ... صفر حمالقه، في الحسن مغموس
قد كان همّ سليمان ليذبحه ... لولا سعايته في ملك بلقيس
وقد قدّمنا في هذا الكتاب في تضاعيفه، عدّة مقطّعات في أخبار الهدهد.