ولقد خبّرني من إخواني من لا أتّهم خبره أنّ مملوكا كان لبعض أهل القطيعة- أعني قطيعة الربيع- وكان ذلك المملوك يكوم بغلة وأنّها كانت تودق [1] وتتلمّظ وأنّها في بعض تلك الوقعات تأخّرت وهو موعب فيها ذكره تطلب الزيادة، فلم يزل المملوك يتأخّر وتتأخّر البغلة حتّى أسندته إلى زاوية من زوايا الإصطبل، فاضّغطته حتّى برد [2] ، فدخل بعض من دخل فرآه على تلك الحال فصاح بها فتنحّت وخرّ الغلام ميّتا [3] .
وأخبرني صديق لي قال: بلغني عن برذون لزرقان المتكلّم، أنّه كان يدربخ [4] للبغال والحمير والبراذين حتى تكومه، قال: فأقبلت يوما في ذلك الإصطبل، فتناولت المجرفة [5] ، فوضعت رأس عود المجرفة [5] على مراثه وإنّه لأكثر من ذراع ونصف، وإنه لخشن غليظ غير محكوك الرأس ولا مملّسه، فدفعته حتى بلغ أقصى العود، وامتنع من الدّخول ببدن المجرفة. فحلف أنّه ما رآه تأطّر ولا انثنى.
قال صاحب الحمام: فهذا فرق ما بيننا وبينكم.
ونذكر ما وصف به الحمام من الإسعاد، ومن حسن الغناء والإطراب والنّوح والشّجا. قال الحسن بن هانئ [6] : [من المنسرح]
إذا ثنته الغصون جلّلني ... فينان ما في أديمه جوب
تبيت في مأتم حمائمه ... كما ترنّ الفواقد السّلب
يهبّ شوقي وشوقهنّ معا ... كأنّما يستخفّنا طرب
وقال آخر [7] : [من الطويل]
لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... على فنن وهنا وإنّي لنائم