الحيوان (صفحة 378)

ولو أنّ الأحنف بن قيس رأى حاجب بن زرارة، أو زرارة بن عدس، أو حصن بن حذيفة، لقدّمهم على نفسه. وهؤلاء عيون أهل الوبر لا يذكرون بشيء دون شيء لاستواء خصال الخير فيهم.

وفي منحول شعر النابغة: [من الوافر]

فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون «1»

وليس لهذا الكلام وجه، وإنّما ذلك كقولهم كان داود لا يخون، وكذلك كان موسى لا يخون عليهما السلام. وهم وإن لم يكونوا في حال من الحالات أصحاب خيانة ولا تجوز عليهم، فإنّ النّاس إنّما يضربون المثل بالشيء النادر من فعل الرجال ومن سائر أمورهم، كما قالوا: عيسى ابن مريم روح الله، وموسى كليم الله، وإبراهيم خليل الرحمن، صلى الله عليهم وسلم.

ولو ذكر ذاكر الصبر على البلاء فقال: كذلك كان أيّوب لا يجزع كان قولا صحيحا. ولو قال: كان كذلك نوح عليه السلام لا يجزع لم تكن الكلمة أعطيت حقّها.

ولو ذكر الاحتمال وتجرّع الغيظ فقال: وكذلك كان معاوية لا يسفه، وكان حاتم لا يفحش، لكان كلاما مصروفا عن جهته ولو قال: كذلك كان حاتم لا يبخل لكان ذلك كلاما معروفا ولكان القول قد وقع موقعه، وإن كان حاتم لا يعرف بقلّة الاحتمال وبالتّسرّع إلى المكافأة.

ولو قال: سألتك فمنعتني وقد كان الشّعبيّ لا يمنع، وكان النّخعيّ لا يقول «لا» ، لكان غير محمود في جهة البيان، وإن كان ممّن يعطي ويختار «نعم» على «لا» . ولكن لمّا لم يكن ذلك هو المشهور من أمرهما لم تصرف الأمثال إليهما، ولم تضرب بهما.

قال جعفر: وكذلك القول في الديك وجماله؛ لكثرة خصاله، وتوازن خلاله، ولأنّ جمال الديك لا يلهج بذكره إلّا البصراء بمقادير الجمال والتوسّط في ذلك، والاختلاط والقصد، وما يكون ممزوجا وما يكون خالصا. وحسن الطاوس حسن لا تعرف العوامّ غيره، فلذلك لهجت بذكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015