أنّه يقسّط أصواته المعروفة بالعدد عليها، كما يقسطها والليل تسع ساعات، ثمّ يصنع فيما بين ذلك من القسمة وإعطاء الحصص على حساب ذلك. فليعلم الحكماء أنّه فوق الأسطرلاب، وفوق مقدار الجزر والمدّ على منازل القمر، وحتّى كأنّ طبعه فلك على حدة. فجمع المعرفة العجيبة والرّعاية العجيبة.
وربّ معرفة تكون نبيلة وأخرى لا تكون في طريق النّبالة. وإن كانت المعارف كلّها مفصّلة مقدّرة، إلّا أنّها في منازل ومراتب. وليس في الأرض معرفة بدقيق ولا جليل وهي في نفسها شريفة كريمة.
والمعرفة كلّها بصر، والجهل كله عمى، والعمى كلّه شين ونقص، والاستبانة كلّها خير وفصل.
ثمّ له بعد ذلك ارتفاق الناس بهذا المعنى منه.
ومن ذلك بعد صوته، وأنّه يدلّ على أنّ موضعه مأهول مأنوس، ولذلك قالوا:
لا يكون البنيان قرية حتّى يصقع فيها ديك.
وليس في الأرض طائر أملح ملحا من فرّوج، وليس ذلك الاسم إلّا لولد الديك، وإلّا فكلّ شيء يخرج من البيض فإنّما هو فرخ والفرّوج حين تنصدع عنه البيضة، يخرج كاسبا عارفا بموضع لقط الحب وسدّ الخلّة، وهو أصيد للذّباب من السّودانيّ «1» ، ويدرج مع الولادة بلا فصل.
وهذا مع ما أعطى من محبّة النساء، ورحمة الرجال، وحسن الرّأي من جميع الدار، ثم اتّباعه لمن دعاه، وإلفه لمن قرّبه. ثمّ ملاحة صوته وحسن قدّه، ثمّ الذي فيه ممّا يصحّ له الفروج ويتفرّج فيه.
وكان جعفر بن سعيد، يزعم أنّ الدّيك أحمد من الطاوس، وأنّه مع جماله وانتصابه واعتداله وتقلّعه إذا مشى، سليم من مقابح الطاوس ومن موقه وقبح صورته، ومن تشاؤم أهل الدار به ومن قبح رجليه، ونذالة مرآته. وزعم أنّه لو ملك طاوسا لألبس رجليه خفّا.
وكان يقول: وإنّما يفخر له بالتّلاوين، وبتلك التعاريج التي لألوان ريشه. وربّما