وقد حمل النّاس كما ترى على العين ما لا يجوز، وما لا يسوغ في شيء من المجازات. وقول الذي اعورّ: إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، من أعظم الحجج في الفاصل من صاحب العين إلى المعين.
قال: ويقال إنّ فلانا لعيون: إذا كان يتشوّف للناس ليصيبهم بعين. ويقال عنت فلانا أعينه عينا: إذا أصبته بعين، ورجل معين ومعيون: إذا أصيب بالعين. وقال عبّاس بن مرداس: [من الكامل]
قد كان قومك يحسبونك سيّدا ... وإخال أنك سيّد معيون «1»
ويقال للعيون: إنّه لنفوس، وما أنفسه، أي ما أشدّ عينه، وقد أصابته نفس أو عين.
وأمّا قول القائل: إنّ من لؤم الكلب وغدره أنّ اللصّ إذا أراد دار أهله أطعم الكلب الذي يحرسهم قبل ذلك مرارا ليلا ونهارا، ودنا منه ومسح ظهره، حتى يثبت صورته، فإذا أتاه ليلا أسلم إليه الدار بما فيها- فإن هذا التأويل لا يكون إلّا من نتيجة سوء الرأي، فإنّ سوء الرأي يصوّر لأهله الباطل في صورة الحقّ. وفيه بعض الظّلم للكلب وبعض المعاندة للمحتجّ عن الكلب، وقد ثبت للكلب استحقاق المدح من حيث أراد أن يهجوه منه، فإن كان الكلب بفرط إلفه وشكره كفّ عن اللصّ عند ذكر إحسانه، وإثبات صورته، فما أكثر من يفرط عليه الحياء حتّى ينسب إلى الضّعف والكرم وحتّى ينسب إلى الغفلة، وربّما شاب الرّجل بعض الفطنة ببعض التّغافل، ليكون أتمّ لكرمه، فإنّ الفطنة إذا تمّت منعت من أمور كثيرة، ما لم يكن الخيم «2» كريما والعرق سليما.
وإنك أيّها المتأوّل، حين تكلّف الكلب- مع ما قد عجّل إليه اللصّ من اللّطف والإحسان- أن يتذكّر نعمة سالفة، وأن يحترس من خديعة المحسن إليه، مخافة أن يكون يريغ «3» بإكرامه سوءا- لحسن الرأي فيه، بعيد الغاية في تفضيله.