وأنا أعوذ بالله تعالى أن أكون كلّما غمز قناتي باب من الكلام صعب المدخل، نقضت ركنا من أركان مقالتي! ومن كان كذلك لم ينتفع به.
فإن قال قائل: وما بلغ من أمر هذا الفاصل الذي لا يشعر به القوم الحضور ولا الذي انفصل منه، ولا المارّ بينهما، ولا المتلقّي له ببدنه وليس دونه شيء، وكيف لم يعمل في الأقرب دون الأبعد، والأقرب إنسان مثله، ولعلّه أن يكون طبعه أشدّ اجتذابا للآفات!.
وبعد، فكيف يكون شيء يصرع الصحيح ويضجع القائم، وينقض القوى، ويمرض الأصحّاء، ويصدع الصّخر ويهشم العظم، ويقتل الثّور، ويهدّ الحمار، ويجري في الجماد مجراه في النبات، ويجري في النّبات مجراه في الحيوان، ويجري في الصّلابة والملاسة جريه في الأشياء السخيفة الرّخوة؛ وهو ممّا ليس له صدم كصدم الحجر، أو غرب كغرب السّيف، أو حدّ كحدّ السّنان؛ وليس من جنس السمّ، فيحمل على نفوذ السّمّ؛ وليس من جنس الغذاء فيحمل على نفوذ الغذاء، وليس من جنس السّحر فيقال إنّ العمّار «1» عملوا ذلك من طريق طاعتهم للعزائم. فلعلّ ذلك إنّما كان شيئا وافق شيئا.
قيل لهم: قد تعلمون كيف مقدار سمّ الجرّارة «2» أو سمّ الأفعى، وكيف لو وزنتم الجرّارة «3» قبل لسعها وبعده لوجدتموها على حال واحدة. وأنت ترى كيف تفسخ عقد بدن الفيل، وكيف تنقض قوى البعير، من غير صدم كصدم الحجر، وغرب كغرب السّيف، وحدّ كحدّ السنان.
فإن قلت: فهل ناب الأفعى وإبرة العقرب إلّا في سبيل حدّ السنان؟ قلنا: إنّ البعير لو كان إنما يتفسّخ لطعن العقرب بإبرتها لما كان ذلك يبلغ منها مقدار النّخس فقط، ولكنّه لا بدّ أن يكون ذلك لأحد أمرين: إمّا أن تكون العقرب تمجّ فيه شيئا من إبرتها، فيكون طبع ذلك وإن قلّ يفسخ الفيل والزّندبيل «4» ، وإمّا أن يكون طبع ذلك الدّم إذا لاقاه طبع ذلك الناب وتلك الإبرة أن يجمد فيقتل بالإجماد، أو يذيب فيقتل بالإذابة. فأيّهما كان فإنّ الأمر فيه على خلاف ما صدّرتم به المسألة.