يخرجون عنهم في تلك الحالات الكلاب، لأنّهم يخافونها على ما هو عندهم أنفس من الكلب، وهذه مصلحة في الكلب، ولا يكون ذلك إلّا في القرى التي بقرب الغيضة أو المأسدة «1» .
فزعم لي بعض الدّهاقين قولا لا أدري كيف هو، ذكر أنّهم لا يشكّون أنّه إنّما يطلب الكلب لحنقه عليه. لا من طريق أنّ لحمه أحبّ اللّحمان إليه. وإنّ الأسد ليأتي مناقع المياه. وشطوط الأنهار، فيأكل السّراطين والضفادع، والرّق «2» والسلاحف، وإنّه أشره من أن يختار لحما على لحم. قال: وإنّما يكون ذلك منه إذا أراد المتطرّف من حمير القرية وشائها وسائر دوابّها. فإذا لجّ الكلب في النّباح انتبهوا ونذروا «3» بالأسد. فكانوا بين أن يحصّنوا أموالهم وبين أن يهجهجوا «4» به. فيرجع خائبا. فإذا أراد ذلك بدأ بالكلب؛ لأن يأمن بذلك الإنذار، ثمّ يستولي على القرية بما فيها. فإنّما يطالب الأسد الكلاب لهذه العلّة.
وسمعت حديثا من شيوخ ملّاحي الموصل- وأنا هائب له- ورأيت الحديث يدور بينهم، ويتقبّله جميعهم. وزعموا أنّ الأسد ربّما جاء إلى قلس السفينة «5» ، فيتشبّث به ليلا، والملّاحون يمدّون السفينة فلا يشكّون أنّ القلس قد التفّ على صخرة، أو تعلّق بجذم شجرة «6» . ومن عاداتهم أن يبعثوا الأوّل من المدّادين ليحلّه.
فإذا رجع إليه الملّاح ليمدّه تمدّد الأسد بالأرض، ولزق بها وغمّض عينيه كي لا يبصر وبيصهما بالليل، فإذا قرب منه وثب عليه فخطفه، فلا يكون للملّاحين هم إلّا إلقاء أنفسهم في الماء وعبورهم إليه. وربما أكله إلّا ما بقي منه، وربما جرّ فريسته إلى عرّيسه «7» وعرينه، وإلى أجرائه وأشباله، وإن كان ذلك على أميال.