المرجئ، ولا في تفضيل عليّ فينصب له العثمانيّ، ولا هو في تصويب الحكمين، فيتسخّطه الخارجيّ، ولا هو في تقديم الاستطاعة فيعارضه من يخالف التقديم، ولا هو في تثبيت الأعراض فيخالفه صاحب الأجسام، ولا هو في تفضيل البصرة على الكوفة، ومكة على المدينة، والشّام على الجزيرة. ولا في تفضيل العجم على العرب، وعدنان على قحطان، وعمرو على واصل فيردّ بذلك الهذيلي على النّظّامي، ولا هو في تفضيل مالك على أبي حنيفة؛ ولا هو في تفضيل امرئ القيس على النّابغة، وعامر ابن الطفيل على عمرو بن معد يكرب، وعباد بن الحصين على عبيد الله بن الحرّ، ولا في تفضيل ابن سريج على الغريض، ولا في تفضيل سيبويه على الكسائيّ، ولا في تفضيل الجعفريّ على العقيليّ، ولا في تفضيل حلم الأحنف على حلم معاوية، وتفضيل قتادة على الزّهري، فإنّ لكلّ صنف من هذه الأصناف شيعة، ولكلّ رجل من هؤلاء الرجال جند، وعددا يخاصمون عنهم. وسفهاؤهم المتسرعون منهم كثير، وعلماؤهم قليل، وأنصاف علمائهم أقلّ.
ولا تنكر هذا- حفظك الله- أنا رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس بن عمران، تنازعا في العنب النّيروزيّ والرازقيّ، فجرى بينهما اللعين حتى تواثبا، فقطع الكوفيّ إصبع البصريّ، وفقأ البصريّ عين الكوفيّ، ثم لم ألبث إلّا يسيرا حتى رأيتهما متصافيين متنادمين لم يقعا قطّ على مقدار ما يغضب من مقدار ما يرضي، فكيف يقعان على مقادير طبقات الغضب والرضا؟! والله المستعان.
وقد ترك هذا الجمهور الأكبر، والسّواد الأعظم، التوقف عند الشبهة، والتثبّت عند الحكومة جانبا، وأضربوا عنه صفحا، فليس إلّا لا أو نعم. إلّا أنّ قولهم «لا» موصول منهم بالغضب، وقولهم «نعم» موصول منهم بالرّضا. وقد عزلت الحرّيّة جانبا، ومات ذكر الحلال والحرام، ورفض ذكر القبيح والحسن.
قال عمرو بن الحارث: «كنّا نبغض من الرّجال ذا الرياء والنّفخ، ونحن اليوم نتمنّاهما» .
قد كتبنا من كتاب الحيوان ستّة أجزاء، وهذا الكتاب السابع هو الذي ذكرنا فيه الفيل بما حضرنا من جملة القول في شأنه، وفي جملة أسبابه، والله الموفق.
وإنما اعتمدنا في هذه الكتب على الإخبار عمّا في أجناس الحيوان من الحجج المتظاهرة، وعلى الأدلة المترادفة، وعلى التنبيه على ما جلّلها «1» الله تعالى من البرهانات