وجعلوا ركبهم في أرجلهم، وجعلوا ركب الدّواب في أيديها.
وللعصافير طباهجات [1] وقلايا [2] تدعى العصافيريّة، ولها حشاوي يطعمها العوامّ المفلوج. والعوامّ تأكلها للقوّة على الجماع. وعظام سوقها وأفخاذها أحدّ وأذرب من الإبر. وهي مخوفة على المعدة والأمعاء.
وهي تخرّب السّقف تخريبا فاحشا. وتجتلب الحيّات إلى منازل الناس؛ لحرص الحيات على ابتلاع العصافير وفراخها وبيضها.
والذين زعموا أن ذكورتها لا تعيش إلا سنة، يحتاجون إلى أن يعرّفوا الناس ذلك. وكيف يستطيعون تعريفهم؟! وقد تكون القرى بقرب المزارع والبيادر مملوءة عصافير، ومملوءة من بيضها وفراخها، وهم مع ذلك لم يروا عصفورا قط ميتا.
والذين يزعمون أن الذباب لا يعيش أكثر من أربعين يوما، وكانوا لا يكادون يرون ذبابة ميتة- أعذر، لأنهم ذهبوا إلى الحديث [3] . وأصحاب الحديث لا يؤاخذون بما يؤاخذ به الفلاسفة.
والذين زعموا أن البغل إنما طال عمره لقلّة السّفاد، والعصفور إنما قصر عمره لكثرة السّفاد وغلمته [4]- لو قالوا بذلك على جهة الظنّ والتقريب، لم يلمهم أحد من العلماء. والأمور المقرّبة غير الأمور الموجبة، فينبغي أن يعرفوا فصل ما بين الموجب والمقرّب، وفصل ما بين الدليل وشبه الدليل ولعلّ طول عمر البغل يكون للذي قالوا، ولشيء آخر.
وليس ينبغي لنا أن نجزم على هذه العلّة فقط، إلا بعد أن يحيط علمنا بأن عمره لم يفضل على أعمار تلك الأجناس إلا لهذه العلّة.