قال: فيقول عند ذلك الراعي لرب الماشية، بعد هذا الشرط: «ليس لك أن تذكر أمّي بخير ولا شرّ ولك حذفة [1] بالعصا عند غضبك، أخطأت أو أصبت، ولي مقعدي من النار وموضع يدي من الحارّ [والقارّ] [2] »
قال: ووصف بعض الأوائل شبه ما بين النار والإنسان، فجعل ذلك قرابة ومشاكلة، قال: وليس بين الأرض وبين الإنسان، ولا بين الإنسان، والماء، ولا بين الهواء والإنسان، مثل قرابة ما بينه وبين النار؛ لأن الأرض إنما هي أمّ للنبات، [وليس للماء] [3] إلا أنه مركب. وهو لا يغذو؛ إلّا ما يعقده الطبخ وليس للهواء فيه إلا النسيم والمتقلّب. وهذه الأمور وإن كانت زائدة، وكانت النفوس تتلف مع فقد بعضها، فطريق المشاكلة والقرابة غير طريق إدخال المرفق وجرّ المنفعة، ودفع المضرّة.
قال: وإنما قضيت لها بالقرابة، لأني وجدت الإنسان يحيا ويعيش في حيث تحيا النار وتعيش، وتموت وتتلف حيث يموت الإنسان ويتلف.
وقد تدخل نار في بعض المطامير [4] والجباب [5] ، والمغارات، والمعادن [6] ، فتجدها متى ماتت هناك علمنا أن الإنسان متى صار في ذلك الموضع مات. ولذلك لا يدخلها أحد ما دامت النار إذا صارت فيها ماتت. ولذلك يعمد أصحاب المعادن والحفاير إذا هجموا على فتق في بطن الإرض أو مغارة في أعماقها أو أضعافها، قدّموا شمعة في طرفها أو في رأسها نار، فإن ثبتت النار وعاشت دخلوا في طلب الجواهر من الذهب وغير ذلك. وإلا لم يتعرّضوا له. وإنما يكون دخولهم بحياة النار، وامتناعهم بموت النار.
وكذلك إذا وقعوا على رأس الجبّ الذي فيه الطعام، لم يجسروا على النزول