الحيل (صفحة 42)

إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله " رواه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجة وحسنه الترمذي1.

قلت: هذا الحديث يدل على أن البائع والمشتري إذا انعقد بينهما البيع بالإيجاب والقبول ثم بدا لأحدهما أن يفسخ البيع فله ذلك ما داما في مجلس العقد مجتمعين لم يتفرقا عنه، فإن تفرقا أو أحدهما نفذ البيع ولزم.

هذا الذي ذكرناه هو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال المالكية والحنفية: يلزم العقد بالإيجاب والقبول ولا خيار للمتبايعين2.

والأحاديث الصحيحة ترد عليهم، وليس لهم عنها جواب سديد، فإنهم ما بين مؤول لها على خلاف ظاهرها أو معارض لها بنص عام أو مطلق، وليس المقام هنا مقام بسط هذه المسألة، ولكن تقرير أن هذا حق أعطاه الشارع للمتبايعين مادام في مجلس العقد، ولا يجوز إسقاط هذا الحق، والحكمة فيه ظاهرة وهو أنه قد يتعجل أحدهما في البيع والشراء فيقدم عليه بلا ترو ولا تبصر فأعطاه الشارع هذا الحق ليتدارك ما عسى أن يكون قد غاب عنه، فإذا عمد أحدهما إلى مفارقة صاحبه قاصداً إسقاط حقه في خيار الفسخ فقد ضاد الشارع في تشريعه، وسعى في مضارة أخيه المسلم، لذلك حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الصنيع بقوله: " ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله "، وهذه المفارقة تعتبر في الحقيقة حيلة على إسقاط خيار المجلس، ووجه كونها حيلة أن ظاهرها المفارقة لقضاء مصالحه وباطنها الإضرار بأخيه المسلم فلم ينظر الشارع إلى ظاهر هذه الوسيلة ولكنه نظر إلى حقيقتها فحرمها.

7- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر " 3.

اعلم أولا أن الفقهاء مختلفون في العمل بحديث التصرية، فقد أخذ الجمهور بحديث التصرية وعملوا به، وخالفهم الحنفية فلم يعملوا بهذا الحديث4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015