الحيل (صفحة 22)

لم يشرع له الحكم كان ذلك صريحاً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع إِذْ فُهِمَ من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه.

ومن أمثلة هذا الضرب: سجود الشكر في مذهب مالك فقد سئل مالك - رحمه الله - عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكراً، فقال: " لا يفعل، ليس هذا مما مضى من أمر الناس " قيل له إن أبا بكر الصديق فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكراً لله أفسمعت ذلك؟ قال: " ما سمعت ذلك، فأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم أسمع له خلافاً "، فقيل له: إنما نسألك لنعلم رأيك فنرد ذلك به، فقال: "نأتيك بشيء آخر أيضا لم تسمعه مني قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا؟ إذا جاءك مثل هذا مما قد كان للناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك، لأنه لو كان لذكر، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحداً منهم سجد، فهذا إجماع إذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه"؛ هذا تمام الرواية ذكرها في العتبية من سماع أشهب وابن نافع قال ابن رشد: "واستدلاله على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن ذلك لو كان لنقل صحيح، إذ لا يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على عدم نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ قال: وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة عن الخضر والبقول مع وجوبها فيها بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر " أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه.

لأنا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها، فكذلك ننزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيه. والمقصود من المسألة توجيه مالك لها من حيث أنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على الإِطلاق، وإلا فقد وردت أحاديث في سجوده صلى الله عليه وسلم شكراً، ذكرها صاحب منتقى الأخبار وترجم عليها باب سجدة الشكر ولعلها لم تبلغ مالكاً أو بلغته ولم تصح عنده، وعلى هذا النحو جرى بعضهم في تحريم نكاح المحلل وأنه بدعة منكرة من حيث إنه وجد في زمانه عليه الصلاة والسلام المعنى المقتضي للتخفيف والترخيص للزوجين بإجازة التحليل ليتراجعا كما كان أول مرة، وأنه كما لم يشرع ذلك مع حرص امرأة رفاعة على رجوعها إليه، دل على أن التحليل ليس بمشروع لها ولا لغيرها وهو أصل صحيح، إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما ليس منها؛ والله أعلم1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015