الحيل (صفحة 20)

الفعل الآخر؟ ثم العلة إما أن تكون معلومة أو لا؛ فإن كانت غير معلومة فلابد من التوقف عن القطع على الشارع أنه قصد كذا وكذا حتى يدل دليل على ذلك القصد، وإن كانت العلة معلومة اتبعت، فحيث وجدت وجد مقتضى الأمر والنهي من قصد الشارع إلى إيقاع الفعل في الأمر، وعدم إيقاعه في النهي كالنكاح لمصلحة التناسل والبيع لمصلحة الانتفاع بالمعقود عليه والحدود لمصلحة الازدجار، وتعرف العلة هنا بمسالكها المقررة في أصول الفقه، فإذا تعينت علم أن مقصود الشارع ما اقتضته تلك العلل من الفعل أو عدمه.

ويغلب على باب العبادات جهة التعبد، وعلى باب العادات جهة الالتفات إلى المعاني، والعكس في البابين قليل، ومن أجل هذا لم يلتفت مالك رحمه الله في إزالة الأنجاس ورفع الأحداث إلى مجرد النظافة حتى اشترط الماء المطلق فيهما، واشترط لرفع الأَحداث النية وإن حصلت النظافة بدونها، ومنع من إقامة غير التكبير والتسليم في الصلاة مقامهما، ومنع من إخراج القيم في الزكاة، واقتصد على مجرد العدد في الكفارات، إلى غير ذلك من المسائل التي تقتضي الإقتصار على عين المنصوص عليه أو ما ماثله، وغلَّب في باب العادات المعنى فقال فيها بقاعدة المصالح المرسلة، والاستحسان الذي قال فيه إنه تسعة أعشار العلم إلى ما يتبع ذلك.

الجهة الثالثة: إن للشارع في شرع العبادات والعادات مقاصد أصلية ومقاصد تابعة وقد دلنا تتبع النصوص وظواهرها وإشاراتها واستقراء معانيها النظرية أن الشارع لم يشرع من الأسباب العادية والعبادية الموصلة إلى المقاصد التابعة إلا ما عاد من تلك المقاصد على المقاصد الأصلية بالتوثيق والإحكام والتقوية والربط، فاستدللنا بذلك على أن ما كان من تلك الأسباب كذلك مما لم ينص عليه فهو موافق لمقاصد الشارع، وما كان منها مؤديا إلى إبطال المقاصد الأصلية منها وإزالتها فهو مناقض لمقاصد الشارع.

فالتسبب إلى تلك المقاصد التابعة مشروع في الأول وغير مشروع في الثاني.

ومثال ذلك: النكاح فإنه مشروع للتناسل بالقصد الأول ويليه طلب السكن والازدواج والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية من الاستمتاع بالحلال والنظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء والتجمل بمال المرأة أو قيامها عليه وعلى أولاده منها أو من غيرها أو إخوته والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج ونظر العين والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد وما أشبه ذلك فجميع هذا مقصود الشارع من شرع النكاح بالقصد الثاني، فمنه منصوص عليه أو مشار إليه، ومنه ما علم بدليل آخر، ومسلك استقرىء من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015