فمشاركة الزبير لعبد الله بن جعفر في الصفقة منعت عثمان من الحجر عليه.
لأن الزبير معروف بحسن التصرف وإدارة المال فكان أن اتخذ هذه الحيلة لمنع الحجر وليس لها ظاهر وباطن، ولكن الذهن لا يلتفت عادة إلى هذه الحيلة.
وأكثر ما تستعمل هذه الألفاظ (المكر والخديعة والكيد) في الفعل المذموم وهو الأشهر عند الناس وذلك بأن يقصد فاعله إنزال مكروه بمن لا يستحقه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخديعة في النار " 1 أي تؤدي بفاعلها إلى النار.
وقد تستعمل تلك الألفاظ في الفعل المحمود وذلك بأن يقصد فاعله إلى استدراج غيره لما فيه مصلحته كما يفعل بالصبي أو المريض إذا امتنع من فعل ما فيه مصلحته كشرب الدواء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " 2 فهذا أمر بالخداع عند لقاء الأعداء لأنه يقصر أمد الحرب ويوفر المال والجهد، ولكون المكر والخديعة والكيد ضربين: حسناً وسيئاً قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} 3، وقوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} 4 {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرْضَ} 5 فخصَّ في الآيات السيء من المكر تنبيهاً على جواز المكر الحسن ووصف نفسه تعالى بالمكر الحسن فقال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 6.
ووصف نفسه بالخداع الحسن فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} 7 وبالكيد الحسن فقال: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ الله} 8.
وعلى ذلك الاستدراج والإملاء والاستهزاء منه تعالى كما في قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} 9 والمعنى في ذلك كله إمهال الله للعبد الجاحد