ومن صور تسامح المسلمين في حوارهم مع أهل الكتاب تمكينهم من الإعراب عن عقائدهم ومحاورة المسلمين فيما يشكل عليهم فهمه من أمور الإسلام، ومن ذلك أن المغيرة بن شعبة أتى أهل نجران "فقالوا: ألستم تقرؤون: {يا أخت هارون} (مريم: 28)، وقد علمتم ما بين موسى وعيسى. قال المغيرة: فلم أدر ما أجيبهم.

فرجعتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته. فقال: ((ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)). (?)

يقول ابن تيمية: " وهذا السؤال الذي هو سؤال الطاعن في القرآن لما أورده أهل نجران الكفار على رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجبهم عنه: أجاب عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل لهم: ليس لكم عندي إلا السيف، ولا قال: قد نقضتم العهد إن كانوا قد عاهدوه، وقد عرف أن أهل نجران لم يرسل إليهم رسولاً إلا والجهاد مأمور به ". (?)

وهكذا فالإفساح للمخالف في الإعراب عن دينه وممارسة شعائره لون فريد من ألوان التسامح الإسلامي، وهو أيضاً أدب آخر من آداب الحوار والجدال.

5. مداراة المحاور وإكرامه وحسن التعامل معه

ومن آداب الحوار حسن المعاملة مع المحاور، ومداراة المحاور الآخر وإكرامه وحسن استقباله، فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)) فلما جلس تطلَّقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وانبسط إليه.

فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشة، متى عهدتني فحَّاشاً، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)). (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015