الأطماع الروسية والفرنسية من جهة، ومحاولات محمد على الاستيلاء على بلاد الشام من جهة أخرى (?).
لهذا فقد حاول بالمستون استغلال النفوذ البريطاني لدى الباب العالي على أثر التدخل الإنجليزي الناجح ضد حملة إبراهيم باشا في بلاد الشام ـ هذا التدخل الذي أدى إلى فشل هذه الحملة ـ أراد بالمستون استغلال هذا النفوذ؛ لكي يحث السلطان على القيام بعمل ملموس لتوطين اليهود في فلسطين. ففي عام 1840م وجه بالمستون رسالة إلى السفير الإنجليزي في القسطنطينية قال فيها: "لا تتوانى عن متابعة نصحي للباب العالي بدعوة اليهود للعودة إلى فلسطين. إنك لا تدرى مدى ما سيثيره مثل هذا الإجراء من اهتمام المتدينين في هذا البلد بقضية السلطان. إن نفوذهم كبير واتصالاتهم واسعة، فضلاً عن ذلك، فإن هذا الإجراء في حد ذاته سيكون ذا فائدة كبيرة للسلطان، إذ سيجلب إلى ملكه عدداً كبيراً من الأثرياء الرأسماليين الذين سيوظفون الناس ويثرون الإمبراطورية" (?).
وهكذا نرى أن بالمستون كان مدفوعاً لتوطين اليهود في فلسطين بدافع سياسي وبدافع ديني ـ لإرضاء الرأي العام المتدين، صاحب النفوذ. فبالمستون لم يكن بوسعه أن يهمل ضغوط الرأي العام البروتستانتي الذي يؤيد إقامة دولة يهودية في فلسطين. "ففي عام 1839م تلقى بالمستون مذكرة من هنرى اسن، سكرتير البحرية البريطانية، رفعها نيابة عن الكثيرين ممن ينتظرون تحرير إسرائيل. وكانت المذكرة موجهة إلى كل دول شمال أوروبا وأمريكيا البروتستانتية، وتطالب الحكام الأوربيين بأن يقتدوا بقورش وينفذوا إرادة الله عن طريق السماح لليهود بالعودة إلى فلسطين. وقد قام بالمستون برفع المذكرة إلى الملكة فكتوريا التي كانت معروفة بورعها" (?). ولم يكن بالمستون، الوحيد في وزارة الخارجية، المؤمن بأهمية توطين