وأمر فخرجوا من عنده، وأتوا مسلمة بما كان بينهم 1
أثبتت هذه الرواية وقوع المسلمين في الخدعة نتيجة الغفلة عن المنهج الرباني في التعامل الصحيح مع أهل الشرك؛ قال تعالى: {كيفَ يكونُ للمشركينَ عَهْدٌ} [التوبة: 7] أي أَمَانٌ، وقال: {كيفَ وإنْ يَظهروا عليكم لا يَرقُبوا فيكم إلاًّ ولا ذِمةً يُرضونكم بأفواههمْ وتأبى قلوبهمْ وأكثرهمْ فاسقون} [التوبة: 8] ، ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى بصدد هذه الآية تحريض الله تعالى للمؤمنين على معاداة الكفار والبراءة منهم، وأنهم لا يستحقون عهداً ولا أماناً لشركهم بالله تعالى وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لو ظهروا على المسلمين لم يبقوا ولم يذروا2.
هذه الرواية أكدت ما رجحنا من قبل وهو أن الاتفاق المبرم كان بين مسلمة بن عبد الملك واليون عندما تكاتبوا وأشهدوا على ذلك 3، وليس بين اليون وسليمان، وأن اليون عرف أفراد الوفد، مما يدل على لقاء سابق بهم قبل هذا اللقاء، وأثبتت غدر اليون ونكثه لما أبرم مع المسلمين من المناصحة وتسهيل دخول المدينة.
وفيها ما يؤكد ارتفاع روح المسلمين المعنوية مع بعد الدار وكَلَب العدو عندما أعلنوا أمام الملك ـ في تحدّ ـ أنهم لن يبرحوا إلا بدفع الجزية عن صغار، أو فتح المدينة عنوة.
وأظهرت نباهة هذا الملك وحزمه عندما رفض غاضباً أن يعطيهم شيئاً من تراب المدينة، لا كما فعل نظيره الفارسي الذي حمَّل وفد المسلمين ـ في نزق