السفن على الساحل مما يلي العسكر، فصار الاتصال بين مسلمة ـ القائد العام ـ وبين ابن هبيرة ـ قائد الأسطول ـ ميسوراً 1، ثم تحرك جزء من الأسطول وفرض الحصار على المدينة من ناحية بحر مرمرة، وحاولت قطع أخرى من الأسطول عبور مضيق البسفور لمحاصرة المدينة من جهة الشمال ـ بعد أن أحكمت السيطرة على مدخله الجنوبي ـ مستغلة هبوب رياح جنوبية ساعدت على تحركها على الرغم من مواجهتها للتيارات المائية القادمة من الشمال التي تعيق السير، وكادت أن تعبر لولا تغير الرياح المفاجئ الذي أربك حركتها وعرضها للتقهقر، فاستغل الروم هذا التراجع وأمطروا السفن بنيرانهم الحربية المعروفة بالنار الإغريقية 2، فعطبت كثير من تلك السفن، وأصيب عدد من المسلمين، وأغلق الروم مدخل القرن الذهبي بسلسلة ضخمة من الحديد 3.
وبهذا ظلت الجهة الشمالية للمدينة مفتوحة لم يستطع المسلمون الوصول إليها أو تطويقها، مما أحدث ثغرة في الحصار مكنت البيزنطيين من الاتصال بالمناطق التي يستمدون منها بعض حاجاتهم ومؤنهم. ومع هذا فإن المسلمين حاصروا عاصمة الروم من الجهات الأخرى، وضغطوا عليها، ومنعوا أهلها من كل مرفق براً وبحراً 4، وقهروهم 5، وأحدثوا الرعب في نفوسهم؛ بما رأوا من بأس المسلمين وشدتهم، وتحملهم للصعاب.
هذا وكان من العوامل التي ساعدت المسلمين على الثبات والصبر على