وَفِي تَارِيخ أبي إِسْحَاق الرَّقِيق أَن أَبَا المُهَاجر لما قدم إفريقية كره أَن ينزل الْموضع الَّذِي اختطه عقبَة بن نَافِع فَمضى حَتَّى خلّفه بميلين مِمَّا يَلِي طَرِيق تونس فَنزل واختط بهَا مَدِينَة أَرَادَ أَن يكون لَهُ ذكرهَا وَيفْسد عمل عقبَة وَأمر النَّاس أَن يخربوا القيروان ويعمروا مدينته
وَذكر ابْن عبد الحكم أَيْضا نَحْو هَذَا وَقَالَ كَانَ النَّاس يغزون إفريقية ثمَّ يقفلون مِنْهَا إِلَى الْفسْطَاط فَأول من أَقَامَ بهَا حِين غَزَاهَا أَبُو المُهَاجر مولى الْأَنْصَار أَقَامَ بهَا الشتَاء والصيف واتخذها منزلا
وَعَن غَيره أَن مُعَاوِيَة ترَاخى فِي صرف عقبَة بن نَافِع كَمَا وعده إِلَى عمله حَتَّى توفّي وَولى ابْنه يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَمَّا علم حَال عقبَة غضب وَقَالَ أدْركهَا قبل أَن تهْلك وتفسد فولاّه إفريقية وقطعها عَن مسلمة بن مخلّد وأقرّه على مصر وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَرَحل عقبَة من الشَّام حَتَّى قدم إفريقية وأوثق أَبَا المُهَاجر فِي الْحَدِيد وَأمر بخراب مدينته ورد النَّاس إِلَى القيروان
وَكَانَ عقبَة فِي ولَايَته الأولى لم يُعجبهُ القيروان الَّذِي بناه مُعَاوِيَة بن حديج قبله فَركب وَالنَّاس مَعَه وَيُقَال إِنَّه كَانَ فِي ثَمَانِيَة عشر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسائرهم من التَّابِعين فَدَعَا الله وَأَصْحَابه يؤمّنون عَلَيْهِ وَقد أَتَى مَوضِع القيروان الْيَوْم وَكَانَ وَاديا كثير الشّجر تأوي إِلَيْهِ الوحوش وَالسِّبَاع والهوام فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا أهل الْوَادي ارتحلوا فَإنَّا نازلون
نَادَى بذلك ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل ثَلَاث مَرَّات فَلم يبْق من السبَاع شَيْء وَلَا الوحوش