الحله السيراء (صفحة 138)

وَحكى عِيسَى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ فِي كتاب الْحجاب للخلفاء بالأندلس من تأليفه أَن الْمُنْذر بن مُحَمَّد أستخلف يَوْم الْأَحَد لثلاث خلون من شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ بعد وَفَاة أَبِيه بِأَرْبَع لَيَال إِذْ كَانَ غازياً بِنَاحِيَة رية فأغذ السّير وَدخل الْقصر يَوْم الْأَحَد وَصلى على أَبِيه وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس لليلة بقيت من صفر وَدفن وبويع للمنذر بَقِيَّة الْأَحَد وَيَوْم الأثنين بعده وأستحجب هَاشم بن عبد الْعَزِيز إِلَى أَن قَتله

قَالَ وَلما قدم الْمُنْذر نزل فِي السَّطْح وَقعد لِلْبيعَةِ فِي ثِيَاب سَفَره وَرُبمَا اتكأ على فرَاشه لما كَانَ أَخذه من النصب وألم السّفر لطيه المراحل فَلَمَّا دخل النَّاس قَامَ هَاشم وَبِيَدِهِ كتاب الْبيعَة فأفتتح قِرَاءَته فَلَمَّا بلغ إِلَى ذكر الإِمَام مُحَمَّد خنقته الْعبْرَة فَلم يبن كَلَامه ثمَّ أستدرك أمره وَرجع من أول الْكتاب حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ أَولا أَخذه أَيْضا الْحصْر فلحظه الْمُنْذر لَحْظَة مُنكرَة وَرَآهَا مِنْهُ هَاشم فَمضى فِي قِرَاءَة الْكتاب حَتَّى أكمله فَلم يشك كل من رأى تِلْكَ اللحظة أَنه قَاتله قَالَ وَلما وضع نعش الإِمَام مُحَمَّد على قَبره ألْقى هَاشم رِدَاءَهُ وقلنسوته وَدخل الْقَبْر وَبكى بكاء شَدِيدا ثمَّ قَالَ متمثلا وَهُوَ يقبر

(أعزى يَا مُحَمَّد عَنْك نَفسِي ... معَاذ الله والمنن الجسام)

(فَهَلا مَاتَ قوم لم يموتوا ... ودوفع عَنْك لي كاس الْحمام)

فَكَانَ ذَلِك مِمَّا أوقد عَلَيْهِ موجدة الْمُنْذر والبيتان لأبي نواس الْحسن ابْن هَانِئ يقولهما فِي مُحَمَّد الْأمين حِين قتل

قَالَ الرَّازِيّ وَذكر أَن مُحَمَّد بن جهود وَعبد الْملك بن أُميَّة كَانَا يرفعان عَلَيْهِ ويغريان بِهِ وَأَنه خرج توقيع بِخَط يَد الإِمَام الْمُنْذر فِيهِ وهم فتنفس هَاشم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015