وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كان هجره يضعف الشر كان مشروعا، وإن كان المهجور لا يرتدع بذلك ولا يرتدع به غيره، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف وتكون مفسدة الهجر راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، كما كان الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين (?) وينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس، فالهجر لحق الله- تعالى- مأمور به والثاني منهي عنه.

ولا شك أن الهجر لحق الله من العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله (?) وهذا يفعل؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله. وهذا يدل على أن حكمة القوة لها الأثر الكبير عند وضعها في موضعها.

ولهذا يجب على ولي أمر المسلمين- وهو الذي ينبغي أن ينصر الدعوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم- أن يعلم بأن إقامة الحدود والعقوبات الشرعية رحمة من الله بعباده، وأن يكون قويا في إقامة الحد لا تأخذه في الله لومة لائم، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات، ويكون بمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه، فيدخل المريض على نفسه المشقة ويشرب الدواء لينال به الراحة والشفاء (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015