من القواعد التي يُردّ بها على الملحدِين قاعدة التفكر في المصنوع يدلّ على بعض صفات الصانع؛ لأن كل شيء يوجد في المصنوع يدل على قدرة أو علم أو خبرة، أو حكمة عند الصانع.
ومن هنا نعلم أن التفكر في المخلوق يدل على بعض صفات الخالق.
إذا علم هذا فإنه يقال لمن أنكر وجود الله -تعالى- وربوبيته: تفكر في خلقك ونفسك، وانظر مبدأ خلقك من نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، فكسيت العظام لحمًا، حتى صرت بشرًا كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة، أما يضطرك هذا التفكر والنظر إلى الاعتراف بالرب القادر على كل شيء، وأحاط علمه بكل شيء، الحكيم في كل ما خلقه وصنعه وأتقنه؟ فلو اجتمع الخلق كلهم على النطفة التي جعلها الله مبدأ خلق الإنسان على أن ينقلوها في تلك الأطوار المتنوعة، أو يحفظوها في ذلك القرار المكين، ويجعلوا لها سمعًا وبصرًا وعقلًا وقوىً باطنةً وظاهرةً، وينموها هذه التنمية العجيبة، ويركبوها هذا التركيب المنظم، ويرتبوا الأعضاء هذا الترتيب المحكم، فهل في اقتدارهم وفي استطاعتهم وعلومهم أن يصلوا إلى ذلك {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ - أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58 - 59] (?).
ولا شك أن العاقل المنصف إذا تفكّر في ذلك دلّه وأوصله إلى الاعتراف بعظمة الخالق، وقدرة القادر، وحكمة الحكيم، وخبرة الخبير، وعلم العليم.
وهذا دليل عقلي تضطر فيه العقول الصحيحة إلى معرفة ربها