أما سرية الدعوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أول البعثة؛ فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه- رضي الله عنهم- كان لا يسمح لهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولا أن يؤذنوا، أو يصلوا، ولما قويت شوكتهم أمر الله رسوله بالجهر بالدعوة فجهروا بها، ولاقوا من الأذى ما هو معروف بين المسلمين (?).
أمر الله نبيه بإنذار عشيرته الأقربين، فقال عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ - وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 214 - 216] (?).
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ أمر ربه بالجهر بالدعوة والصدع بها، وإنذار عشيرته، فوقف مواقف حكيمة أظهر الله بها الدعوة الإسلامية، وبين بها حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وإخلاصه لله رب العالمين، وقمع بها الشرك وأهله، وأذلهم إلى يوم الدين، ومن هذه المواقف الحكيمة ما يأتي: (أ) موقفه الحكيم في صعوده على الصفا، ونداؤه العام: عن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: «لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب، وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيَلاَ بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا؟ نعم، ما جربنا عليك إلا صِدْقًا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب