وهما من أهم أسباب التوفيق للحكمة، وقد ورد عند البخاري في الأدب المفرد:
"لا حكيم إلا ذو تجربة"، والمثل المعروف يقول: "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب"، إن التجربة في الحياة رصيد ضخم تعادل أعلى الشهادات، فإذا أضيفت إلى العلم أصبحت أهم من الشهادة، وهل الشهادة إلا علم وتجربة، مع أنها في الغالب تكون تجربة قاصرة.
ولقد وقفت طويلا عند آية وردت في القرآن، وهي قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (الأحقاف: من الآية 15) . فإنني ألحظ أن ارتباط بلوغ الأشد والاستواء بسن الأربعين له عدة دلالات، ومنها أن المرء يكون قد حصل على رصيد مناسب من التجربة، بل إنني ألمس في حياة الناس أن ما قبل الأربعين رصيد التجربة فيه أقوى من رصيد العطاء، وما بعد الأربعين سمة العطاء فيه أقوى من التجربة ألا وهي الخبرة، حيث إن الأربعين مرحلة وسطية في عمر الإنسان، حيث إن ما قبلها من العمل يعادل ما بعدها في الأعم الأغلب.