وَفد بني نمر يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن بَنو أَب وَاحِد ونراك تكلم وُفُود الْعَرَب بِمَا لَا نفهم أَكْثَره فَقَالَ أدبني رَبِّي فَأحْسن تأديبي فَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُخَاطب الْعَرَب على اخْتِلَاف شعوبهم وقبائلهم بِمَا يفهمونه فَكَانَ الله تَعَالَى قد أعلمهُ مالم يكن يعلم غَيره وَكَانَ أَصْحَابه يعْرفُونَ أَكثر مَا يَقُوله وَمَا جهلوه سَأَلُوهُ عَنهُ فيوضحه لَهُم وَاسْتمرّ عصره إِلَى حِين وَفَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَجَاء عصر الصَّحَابَة جَارِيا على هَذَا النمط فَكَانَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ عِنْدهم صَحِيحا لَا يتداخله الْخلَل إِلَى أَن فتحت الْأَمْصَار وخالط الْعَرَب غير جنسهم فامتزجت الألسن وَنَشَأ بَينهم الْأَوْلَاد فتعلموا من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا لَا بُد لَهُم فِي الْخطاب وَتركُوا مَا عداهُ وتمادت الْأَيَّام إِلَى أَن انقرض عصر الصَّحَابَة وَجَاء التابعون فسلكوا سبيلهم فَمَا انْقَضى زمانهم إِلَّا وَاللِّسَان الْعَرَبِيّ قد اسْتَحَالَ أعجميا فَلَمَّا أعضل الدَّاء ألهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جمَاعَة من أولي المعارف أَن صرفُوا إِلَى هَذَا الشَّأْن طرفا من عنايتهم فشرعوا فِيهِ حراسة لهَذَا الْعلم الشريف
فَقيل أول من جمع فِي هَذَا الْفَنّ شَيْئا أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ المتوفي سنة عشر وَمِائَتَيْنِ فَجمع كتابا صَغِيرا وَلم تكن قلته لجهلة وَإِنَّمَا ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أَن كل مُبْتَدأ بِشَيْء لم يسْبق إِلَيْهِ يكون قَلِيلا ثمَّ يكثر وَالثَّانِي أَن النَّاس كَانَ فيهم يَوْمئِذٍ بَقِيَّة وَعِنْدهم معرفَة فَلم يكن الْجَهْل قد عَم وَله تآليف أخر فِي غَرِيب الْقُرْآن
وَقد صنف عبد الْوَاحِد بن أَحْمد المليحي كتابا فِي رده المتوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَأَبُو سعيد بن خَالِد الضَّرِير وموفق الدّين عبد اللَّطِيف بن يُوسُف الْبَغْدَادِيّ الْمُتَوفَّى سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة صنفا فِي رد غَرِيب الحَدِيث ثمَّ جمع أَبُو الْحسن نضر بن شُمَيْل الْمَازِني النَّحْوِيّ بعده أَكثر مِنْهُ الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ ثمَّ جمع عبد الْملك ابْن قريب الْأَصْمَعِي كتابا أحسن فِيهِ وأجاد وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن المستنير الْمَعْرُوف بقطرب وَغَيره من الْأَئِمَّة جمعُوا أَحَادِيث وَتَكَلَّمُوا على