بالمحدث المشتفل بكتب الحَدِيث بِأَن يكون قَرَأَ لَفظهَا وَفهم مَعْنَاهَا وَعرف صِحَّتهَا وسعمها وَلَو بأخبار حَافظ واستنباط فَقِيه وَكَذَلِكَ بالمفسر المشتفل بشرح غَرِيب كتاب الله وتوجيه مشكله وَلما رُوِيَ عَن السّلف فِي تَفْسِيره انْتهى
قلت وَأما الشَّيْخ فَقَالَ الرَّاغِب أَصله من طعن فِي السن ثمَّ عبروا بِهِ عَن كل أستاذ كَامِل وَلَو كَانَ شَابًّا لِأَن شَأْن الشَّيْخ أَن تكْثر معارفه وتجاربه وَمن زعم أَن المُرَاد هُنَا من هُوَ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ من نَحْو خمسين إِلَى ثَمَانِينَ فقد أبعد وتكلف وَالْتزم الْمَشْي على القَوْل المزيف لِأَن الصَّحِيح أَن مدَار التحديث على تأهل الْمُحدث حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شعر حَتَّى أَنه رد على بعض مشايخه غَلطا وَقع لَهُ فِي سَنَده وَقد حدث مَالك وَهُوَ ابْن سَبْعَة عشر وَالشَّافِعِيّ وَهُوَ فِي حَدَاثَة السن وَالْحق أَن الْكَرَامَة والفضيلة إِنَّمَا هِيَ بِالْعلمِ وَالْعقل دون الْعُمر وَالْكبر فكم من شيخ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَمْيِيز الطّيب من الْخَبيث شعر
(وَعند الشَّيْخ أَجزَاء كبار ... مجلدة وَلَكِن مَا قراها)
وَكم من طِفْل صَغِير يفوق الشَّيْخ الْكَبِير فِي الدِّرَايَة وملكة التَّحْرِير وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء
قَالَ الْمولى أَبُو الْخَيْر رَحمَه الله تَعَالَى إِن قصارى نظر أَبنَاء هَذَا الزَّمَان فِي علم الحَدِيث فِي مَشَارِق الْأَنْوَار فَإِن ترفعت إِلَى مصابيح الْبَغَوِيّ ظنت أَنَّهَا تصل إِلَى دَرَجَة الْمُحدثين وَمَا ذَاك إِلَّا لجهلهم بِالْحَدِيثِ بل لَو حفظهما عَن ظهر قلب وَضم إِلَيْهِمَا من الْمُتُون مثلهمَا لم يكن مُحدثا حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَإِنَّمَا الَّذِي يعده أهل الزَّمَان بَالغا إِلَى النِّهَايَة وينادونه مُحدث الْمُحدثين وبخارى الْعَصْر من اشْتغل بِجَامِع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير مَعَ حفظ عُلُوم الحَدِيث لِابْنِ الصّلاح أَو التَّقْرِيب للنووي إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي شَيْء من رُتْبَة الْمُحدثين
وَإِنَّمَا الْمُحدث من عرف الْأَسَانِيد وَالْمَسَانِيد والعلل وَأَسْمَاء الرِّجَال