الْأمة على قبُوله وَالْعَمَل بِهِ ثمَّ مَا استفاض من طرق مُتعَدِّدَة لَا يبْقى مَعهَا شُبْهَة يعْتد بهَا وَاتفقَ على الْعَمَل بِهِ جُمْهُور فُقَهَاء الْأَمْصَار أَو لم يخْتَلف فِيهِ عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ خَاصَّة فَإِن الْحَرَمَيْنِ مَحل الْفُقَهَاء الرَّاشِدين فِي الْقُرُون الأولى ومحط رحال الْعلمَاء طبقَة بعد طبقَة يبعد أَن يسلمُوا مِنْهُم الْخَطَأ الظَّاهِر أَو كَانَ قولا مَشْهُورا مَعْمُولا بِهِ فِي قطر عَظِيم مرويا عَن جمَاعَة عَظِيمَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ثمَّ مَا صَحَّ أَو حسن سَنَده وَشهد بِهِ عُلَمَاء الحَدِيث وَلم يكن قولا متروكا لم يذهب إِلَيْهِ أحد من الْأمة إِمَّا مَا كَانَ ضَعِيفا مَوْضُوعا أَو مُنْقَطِعًا أَو مقلوبا فِي سَنَده أَو مَتنه أَو من رِوَايَة المجاهيل أَو مُخَالفا لما أجمع عَلَيْهِ السّلف طبقَة بعد طبقَة فَلَا سَبِيل إِلَى القَوْل بِهِ
فالصحة أَن يشْتَرط مؤلف الْكتاب على نَفسه إِيرَاد مَا صَحَّ أَو حسن غير مقلوب وَلَا شَاذ وَلَا ضَعِيف إِلَّا مَعَ بَيَان حَاله فَإِن إِيرَاد الضَّعِيف مَعَ بَيَان حَاله لَا يقْدَح فِي الْكتاب والشهرة أَن يكون الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهَا دَائِرَة على أَلْسِنَة الْمُحدثين قبل تدوينها وَبعد تدوينها فَيكون أَئِمَّة الحَدِيث قبل الْمُؤلف رووها بطرق شَتَّى وأوردوها فِي مسانيدهم ومجاميعهم وَبعد الْمُؤلف اشتغلوا بِرِوَايَة الْكتاب وَحفظه وكشف مشكله وَشرح غَرِيبه وَبَيَان إعرابه وَتَخْرِيج طرق أَحَادِيثه واستنباط فقهها والفحص عَن أَحْوَال رواتها طبقَة بعد طبقَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا حَتَّى لَا يبْقى شَيْء مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ غير مبحوث عَنهُ إِلَّا مَا شَاءَ الله وَيكون نقاد الحَدِيث قبل المُصَنّف وَبعده وافقوه فِي القَوْل بهَا وحكموا بِصِحَّتِهَا وارتضوا رَأْي المُصَنّف فِيهَا وتلقوا كِتَابه بالمدح وَالثنَاء وَيكون أَئِمَّة الْفِقْه لَا يزالون يستنبطون عَنْهَا ويعتمدون عَلَيْهَا ويعتنون بهَا وَيكون الْعَامَّة لَا يخلون عَن اعتقادها وتعظيمها