فتارة يذكر قوله: " وما بينهما " فيما خلقه في ستة أيام، وتارة لا يذكره، وهو مراد؛ فإن ذكره كان إيضاحاً وبياناً، وإن لم يذكره دخل في لفظ " السموات والأرض ". ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة يقول: " ملء السموات وملء الأرض " ولا يقول: " وما بينهما "، وتارة يقول: " وما بينهما " وفيها كلها: " وملء ما شئت من شيء بعد "، وفى رواية أبى سعيد: " أحق ما قال العبد " إلى آخره، وفى رواية ابن أبى أوْفَى: " الدعاء بالطهارة من الذنوب ".
ففي هذا، الحمد رأس الشكر والاستغفار، فإن ربنا غفور وشكور، فالحمد بإزاء النعمة، والاستغفار بإزاء الذنوب.
وذلك تصديق قوله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك} [النساء: 79] .
ففي سيد الاستغفار: " أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي "، وفى حديث أبي سعيد: " الحمد رأس الشكر والتوحيد "، كما جمع بينهما في أم القرآن؛ فأولها تحميد، وأوسطها توحيد، وآخرها دعاء، وكما في قوله: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65] .
وفى حديث الموطأ: " أفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله تعالى، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير من قالها كتب الله تعالى له ألف حسنة، وحط عنه ألف سيئة وكانت له حِرْزًا من الشيطان يومه ذلك، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل قال مثلها، أو زاد عليه، ومن قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده، حطت خطاياه، ولو كانت مثل زَبَد البحر ".