غايات الحسبة

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خيرَ الخيرين، وتدفع شرَّ الشرين، وتحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما. وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح - واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي: فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا .. } (16) سورة التغابن، المفسر لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران، وعلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « .. إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَىْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَدَعُوهُ» (?).

وعلى أن الواجب تحصيلُ المصالح وتكميلُها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدين مع احتمال أدناهما هو المشروع. ثم إن مقصد الولايات الشرعية من خلافةٍ وقضاء وحسبة وغيرها: أن يكون الدين كله لله (?)، وأن تكون كلمة الله هي العليا (?)، فولاية الحسبة إنما جعلت لإصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبيناُ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، ولإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دينهم.

والشريعة إنما جاءت بأحكام تحفظ على الناس الكليات الخمس أو المصالح العليا الخمس وهى: الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

فكلُّ الأحكام الشرعية في هذا الخصوص إنما هي أوامر ونواهي للحفاظ على هذه الكليات، والحسبة إنما تسعى للتحقق من تطبيق هذه الأوامر والالتزام بالنواهي.

ويمكن أن نفصل هذه الناحية للحسبة في أهداف أساسية فيما يلي:

1 - حماية دين الله تعالى بضمان تطبيقه في حياة الناس الخاصة والعامة وصيانته من التعطيل أو التبديل أو التحريف.

فقد وكل إلى المحتسب حث الناس على الالتزام بأداء عبادتهم بكيفياتها الشرعية ومنعهم من التبديل والتحريف فيها، كما أنه يمنع البدع في الدين ويحاربها ويوقع العقاب على مرتكبيها. فالمحتسب يهتمُّ بكل ما يتعلق بالدين ويسعى لإحيائه وتمكينه.

2 - تهيئة المجتمع الصالح بتدعيم الفضائل وأنمائها، ومحاربة الرذائل وإخمادها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015