فَهَذَا لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْلِكَ شَرِيكُهُ عِتْقَ نَصِيبِهِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْهُ لِيُكْمِلَ الْحُرِّيَّةَ فِي الْعَبْدِ قَدْرَ عِوَضِهِ بِأَنْ يُقَوِّمَ جَمِيعَ الْعَبْدِ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ؛ وَيُعْطِي قِسْطَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لَا فِي قِيمَةِ النِّصْفِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد؛ وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ؛ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، وَلَا يُمْكِنُ إعْطَاؤُهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيْعِ الْجَمِيعِ فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ يُوجِبُ إخْرَاجَ الشَّيْءِ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ لِحَاجَةِ الشَّرِيكِ إلَى إعْتَاقِ ذَلِكَ؛ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ: فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ أَعْظَمَ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى إعْتَاقِ ذَلِكَ النَّصِيبِ؟ مِثْلَ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَقْوِيمُ الْجَمِيعِ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ هُوَ حَقِيقَةُ التَّسْعِيرِ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَنْزِعَ النِّصْفَ الْمَشْفُوعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لَا بِزِيَادَةِ؛ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَهَذَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا إلْزَامٌ لَهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ لَا بِزِيَادَةِ؛ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ التَّكْمِيلِ لِوَاحِدِ: فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلشَّرِيكِ بِمَا شَاءَ؟ بَلْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الشَّرِيكِ زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِهِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ نَوْعِ التَّوْلِيَةِ؛ فَإِنَّ التَّوْلِيَةَ: أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِيَ السِّلْعَةَ لِغَيْرِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (?)؛ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الشَّرِيكِ إلَّا بِمَا شَاءَ؛ إذْ لَا حَاجَةَ بِذَاكَ إلَى شِرَائِهِ كَحَاجَةِ الشَّرِيكِ.