وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري - إلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُقَرُّونَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجِينَ إلَيْهِمْ، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُمْ أَجْلَوْهُمْ كَأَهْلِ خَيْبَرَ.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ النَّاسَ إذَا احْتَاجُوا إلَى الطَّحَّانِينَ وَالْخَبَّازِينَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى صِنَاعَتِهِمْ؛ كَاَلَّذِينَ يَطْحَنُونَ وَيَخْبِزُونَ لِأَهْلِ الْبُيُوتِ فَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الْأُجْرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ أَنْ يُطَالِبُوا إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الصُّنَّاعِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجُوا إلَى الصَّنْعَةِ وَالْبَيْعِ؛ فَيَحْتَاجُوا إلَى مَنْ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ وَيَطْحَنُهَا؛ وَإِلَى مَنْ يَخْبِزُهَا وَيَبِيعُهَا خُبْزًا. لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى شِرَاءِ الْخُبْزِ مِنْ الْأَسْوَاقِ، فَهَؤُلَاءِ لَوْ مُكِّنُوا أَنْ يَشْتَرُوا حِنْطَةَ النَّاسِ الْمَجْلُوبَةِ وَيَبِيعُوا الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ بِمَا شَاءُوا مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ لَكَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تُجَّارٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبِعَةِ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ