فمن هذا يتبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه كانوا يباشرون التغيير بأيديهم؛ لعلمهم أنه ليس هناك من دليل على اختصاص ذلك بالولاة.
6 - قال ابن رجب الحنبلي: ((التَّغييرُ باليد ليسَ بالسَّيف والسِّلاح، وحينئذٍ فجهادُ الأمراءِ باليد أنْ يُزيلَ بيده ما فعلوه مِنَ المنكرات، مثل أنْ يُريق خمورَهم أو يكسِرَ آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به مِنَ الظُّلم إن كان له قُدرةٌ على ذلك، وكلُّ هذا جائزٌ،)) (?).
(5) من أقوال الظاهرية وغير المتمذهبين من العلماء:
1 - قال الإمام ابن حزم في المحلى في (أحكام الإمامة) ((- مَسْأَلَةٌ: وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إنْ قَدَرَ بِيَدِهِ فَبِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ وَلا بُدَّ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلا إيمَانَ لَهُ.
وَمَنْ خَافَ الْقَتْلَ أَوْ الضَّرْبَ، أَوْ ذَهَابَ الْمَالِ، فَهُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَيَسْكُتَ عَنْ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَطْ.
وَلا يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ: الْعَوْنُ بِلِسَانٍ، أَوْ بِيَدٍ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُنْكَرِ أَصْلا)) (?).
2 - قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار: ((كل مسلم يجب عليه إذا رأى منكراً أن يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وظهور كون الشيء منكراً يحصل بكونه مخالفاً لكتاب الله سبحانه أو لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو لإجماع المسلمين، ثم إذا كان قادراً على تغييره بيده كان ذلك فرضاً عليه ولو بالمقاتلة، وهو إن قُتل فهو شهيد، وإن قتل فاعل المنكر فبالحق والشرع قتله، ولكنه يقدم الموعظة بالقول اللين، فإن لم يؤثر ذلك جاء بالقول الخشن، فإن لم يؤثر ذلك انتقل إلى التغيير باليد ثم المقاتلة إن لم يمكن التغيير إلا بها، فإذا كان غير قادر على الإنكار باليد أنكر باللسان فقط وذلك فرض، فإن لم يستطع الإنكار باللسان أنكر بالقلب وهذا يقدر عليه كل أحد وهو أضعف الإيمان كما أخبر الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -)) (?).
فهذه أقوال العلماء من فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم، تبين بوضوح وجلاء جواز تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية، وإنما وقع الخلاف فيما لو وصل التغيير باليد إلى جمع الأعوان وشهر السلاح، ففيهم من أجاز التغيير عند ذلك أيضاً كالغزالي -رحمه الله - ومنهم من منع التغيير حينئذٍ كالإمام الجويني.