"وقد جرت سُنَّة الأنبياء والمُرسلين والسَّلف الصَّالحين على الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر، وإن كان محفوفاً بالمكاره، وكم قُتِل في سبيل ذلك من نبيٍّ وصِدِّيق فكانوا أفضل الشُّهداء" (?).
وقد أجمع المُسلمون ـ كما ذكر أبو عمر بن عبد البرِّ ـ أنَّ المُنكر واجبٌ تغييره على كُلِّ من قدر عليه، وأنَّه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللَّوم الذي لا يتعدَّى إلى الأذى فإنَّ ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبه فقد أدَّى ما عليه إذا لم يستطيع سوى ذلك. قال الحسن: إنما يُكلَّم مُؤمنٌ يُرجى أو جاهلٌ يُعلَّم، فأمَّا من وضع سيفه أو سوطه فقال: اتَّقني اتَّقني فما لك وله (?). وأئمَّة المالكيَّة رحمهم الله يُصرِّحون كذلك بالوجوب. قال ابن رشد (?): "الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر واجبٌ على كُلِّ مُسلم بثلاثة شروط، أحدها: أن يكون عالماً بالمعروف والمُنكر، لأنه إن لم يكن عارفاً بهما لم يصحَّ له أمر ولا نهي؛ إذ لا يأمن أن ينهى عن معروف أو يأمر بمنكر، الثَّاني: أن يأمن أن يؤدِّي إنكاره المُنكر إلى منكر أكثر منه، مثل أن ينهى عن شُرْب خمر، فيؤول نهيه عن ذلك إلى قتل نفسه وما أشبه ذلك؛ لأنَّه إذا لم يأمن لم يجز له أمر ولا نهي، الثَّالث: أن يعلم أو يغلب على ظنِّه أن إنكاره المُنكر مُزيلٌ له، وأن أمره بالمعروف مُؤثِّر فيه ونافع؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنِّه لم يجب عليه أمرٌ ولا نهي، فالشَّرطان الأوَّل والثَّاني مُشترَطان في الجواز، والشَّرط الثَّالث مُشترَط في الوجوب" (?). وينقل الإمام ابن حزم (?) رحمه الله كذلك القول بالوجوب فيقول: "والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر فرضٌ على كُلِّ مُسلِم إن قَدِرَ بيده فبيده، وإن لم يقدر بيده فبلسانه، وإن لم يقدر بلسانه فبقلبه ولا بُدَّ، وذلك أضعف الإيمان، فإن لم يفعل فلا إيمان له" (?).
ثالثاً: الآثار المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1ـ كثرة الخبث؛ فإن المنكر إذا أعلن في مجتمع ولم يجد من ينكره، ويأخذ على يد فاعليه؛ فإنه عما قليل يمتد سلطانه ويشتد عوده؛ حتى يألفه الناس فيصبح ـ والعياذ بالله ـ معروفاً، وما تزال