بالماء المبيع فأراقه عليه، وهذا ثابت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وبذلك أفتى طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل، وذلك لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: "نهى أن يشاب اللبن بالماء للبيع" 1.
وذلك بخلاف شوبه للشرب؛ لأنه إذا خلط لم يعرف المشتري مقدار اللبن من الماء، فأتلفه عمر.
ونظيره ما أفتى به طائفة من الفقهاء القائلين بهذا الأصل في جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات، مثل الثياب التي نسجت نسجًا رديئًا أنه يجوز تمزيقها وتخريقها، ولذلك لما رأى عمر بن الخطاب على ابن الزبير ثوبًا من حرير مزقه عليه، فقال الزبير: أفزعت الصبي، فقال: لا تكسوهم الحرير، وكذلك تحريق عبد الله بن عمر لثوبه المعصفر بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم.
وهذا كما يتلف من البدن المحل الذي قامت به المعصية، فتقطع يد السارق، وتقطع رجل المحارب ويده. وكذلك الذي قام به المنكر في إتلافه نهي عن العود إلى ذلك المنكر، وليس إتلاف ذلك واجبًا على الإطلاق، بل إذا لم يكن في المحل مفسدة جاز إبقاؤه أيضًا، إما لله وإما أن يتصدق به، كما أفتى طائفة من العلماء على هذا الأصل: أن الطعام المغشوش من الخبز والطبيخ والشواء، كالخبز والطعام الذي لم ينضج وكالطعام المغشوش، وهو: الذي خلط بالرديء وأظهر المشتري أنه جيد ونحو ذلك: يتصدق به على الفقراء، فإن ذلك من إتلافه، وإذا كان عمر بن الخطاب قد أتلف اللبن الذي شيب للبيع؛ فلأن يجوز التصدق بذلك بطريق الأولى، فإنه يحصل به عقوبة الغاش وزجره عن العود، ويكون انتفاع الفقراء بذلك أنفع من إتلافه، وعمر أتلفه؛ لأنه كان يغني الناس بالعطاء، فكان الفقراء عنده في المدينة إما قليلًا وإما معدومين.
ولهذا جوز طائفة من العلماء التصدق به وكرهوا إتلافه.