وإن كان الضرب على ذنب ماض جزاء بما كسب ونكالًا من الله له ولغيره: فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط، وليس لأقله حد.
وأما أكثر التعزير ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. أحدها: عشر جلدات. والثاني: دون أقل الحدود، إما تسعة وثلاثون سوطًا، وإما تسعة وسبعون سوطًا وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد. والثالث: أنه لا يتقدر بذلك. وهو قول أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، وهو إحدى الروايتين عنه، لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدر لم يبلغ به ذلك المقدر مثل التعزير: على سرقة دون النصاب لا يبلغ به القطع، والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ به حد الشرب، والتعزير على القذف بغير الزنا لا يبلغ به الحد. وهذا القول أعدل الأقوال، عليه دلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنة خلفائه الراشدين، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ودرأ عنه الحد بالشبهة، وأمر أبو بكر وعمر بضرب رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة، وأمر بضرب الذي نقش على خاتمه وأخذ من بيت المال مائة، ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة، وضرب صبيغ بن عسل -لما رأى من بدعته- ضربًا كثيرًا لم يعده.
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في الدين، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] .
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" 1.